فتنة القبر
الفتنة لغة: الاختبار. وفتنة القبر: سؤال الميت عن ربه، ودينه، ونبيه، وهي ثابتة بالكتاب والسنة.
قال الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}[ سورة إبراهيم، الآية: 27.]. وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (المسلم إذا سئل في القبر شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فذلك قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}[ سورة إبراهيم، الآية: 27.] متفق عليه[رواه البخاري، كتاب الجنائز (1369)، كتاب الجنة (2871).].
والسائل ملكان، لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم، قال: يأتيه ملكان فيقعدانه). رواه مسلم ["صحيح مسلم" كتاب الجنة (2870)، ورواه البخاري، كتاب الجنائز (1338).]. واسمهما منكر ونكير كما رواه الترمذي عن أبي هريرة مرفوعًا وقال حسن غريب [سنن الترمذي، كتاب الجنائز (1071).]. قال الألباني: وسنده حسن وهو على شرط مسلم، والسؤال عام للمكلفين من المؤمنين والكافرين، ومن هذه الأمة وغيرهم على القول الصحيح، وفي غير المكلفين خلاف، وظاهر كلام ابن القيم في كتاب (الروح) ترجيح السؤال. ويستثنى من ذلك الشهيد؛ لحديث رواه النسائي [وهو أن رجلًا قال: يا رسول الله، ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: (كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة). سنن النسائي، كتاب الجنائز (2053).] ، ومن مات مرابطًا في سبيل الله لحديث رواه مسلم [وهو عن سلمان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه. وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتان). صحيح مسلم، كتاب الجهاد (1913).].
عذاب القبر أو نعيمه
عذاب القبر أو نعيمه ثابت بظاهر القرآن، وصريح السنة، وإجماع أهل السنة. قال الله تعالى في سورة "الواقعة": {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ* وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ} [سورة الواقعة، الآيتان: 83، 84.] ، إلى قوله: {تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ* فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ* فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ}[ سورة الواقعة، الآيات: 87 - 89.]. إلخ السورة.. وكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتعوذ بالله من عذاب القبر، وأمر أمته بذلك. وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حديث البراء بن عازب المشهور في قصة فتنة القبر، قال في المؤمن: (فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة، والبسوه من الجنة، وافتحوا له بابًا إلى الجنة، فيأتيه من ريحها، وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره). وقال في الكافر: (فينادي منادٍ من السماء أن كذب عبدي فافرشوه من النار، وافتحوا له بابًا من النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه). الحديث رواه أحمد وأبو داود[مسند أحمد (4/287)، وأبو داود، كتاب السنة (4753)، وصححه الألباني.].
وقد اتفق السلف وأهل السنة على إثبات عذاب القبر ونعيمه ذكره ابن القيم في كتاب (الروح).
وأنكر الملاحدة عذاب القبر متعللين بأننا لو نبشنا القبر لوجدناه كما هو.
نرد عليهم بأمرين:
1- دلالة الكتاب، والسنة، وإجماع السلف على ذلك.
2- أن أحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا فليس العذاب أو النعيم في القبر المحسوس في الدنيا.
هل عذاب القبر أو نعيمه على الروح أو على البدن؟
قال شيخ الإسلام ابن تيميه: مذهب سلف الأمة وأئمتها أن العذاب أو النعيم يحصل لروح الميت وبدنه، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة، أو معذبة وأنها تتصل بالبدن أحيانًا فيحصل له معها النعيم أو العذاب.
النفخ في الصور
النفخ معروف. والصور لغة: القرن.
وشرعًا: قرن عظيم التقمه إسرافيل ينتظر متى يؤمر بنفخه، وإسرافيل أحد الملائكة الكرام الذين يحملون العرش، وهما نفختان:
إحداهما: نفخة الفزع ينفخ فيه فيفزع الناس ويصعقون إلا من شاء الله.
الثانية: نفخة البعث ينفخ فيه فيبعثون ويقومون من قبورهم.
وقد دل على النفخ في الصور الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة.
قال الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}[ سورة الزمر، الآية: 68.]. {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ}[ سورة يس، الآية: 51.].
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا، ثم لا يبقى أحد إلا صعق، ثم ينزل الله مطرًا كأنه الطل أو الظل (شك الراوي) فتنبت منه أجساد الناس ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون). رواه مسلم في حديث طويل ["صحيح مسلم"، كتاب الفتن (2940).].وقد اتفقت الأمة على ثبوته.
البعث والحشر
البعث لغة: الإرسال، والنشر.
وشرعًا: إحياء الأموات يوم القيامة.
والحشر لغة: الجمع.
وشرعًا: جمع الخلائق يوم القيامة لحسابهم والقضاء بينهم.
والبعث والحشر حق ثابت بالكتاب، والسنة، وإجماع المسلمين، قال الله تعالى: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُن} [سورة التغابن، الآية: 7.]. وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ* لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [سورة الواقعة، الآيتان: 49، 50.].
وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :(يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها علم لأحد) متفق عليه [رواه البخاري، كتاب الرقاق (6521)، ومسلم، كتاب صفة القيامة (2790).].
وأجمع المسلمون على ثبوت الحشر يوم القيامة.
ويحشر الناس حفاة لا نعال عليهم، عراة لا كسوة عليهم، غرلًا لا ختان فيهم؛ لقوله تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ}[ سورة الأنبياء، الآية: 104.]. وقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (إنكم تحشرون حفاة، عراة، غرلًا) ثم قرأ: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [سورة الأنبياء، الآية: 104.] وأول من يكسى إبراهيم). متفق عليه [رواه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء (3349)، ومسلم، كتاب الجنة (2860).].
وفي حديث عبد الله بن أنيس المرفوع الذي رواه أحمد: (يحشر الناس يوم القيامة عراة غرلًا، بهمًا). قلنا: وما بهمًا؟ قال: (ليس معهم شيء) الحديث [مسند أحمد (3/495).].